الجمعة، 28 مارس 2014

المنطلقات الأساسية : الأساس النظري لحركة حق




حركة القوى الجديدة الديمقراطية ( حق )

"الوثيقة التأسيسية مثلت إضافة حقيقية للأدب السياسي السوداني، وكانت مساهمة غنية ومعتبرة، ولكنها ليست سوى بداية، إذا اكتفت الحركة بها، وتوقفت عندها، فإنها تكون قد حكمت على نبتتها الواعدة باليباس." (الخاتم عدلان) 

المنطلقات الأساسية والقيم الكلية للبرنامج
مقدمة:

على مدى خمسة عقود، هى عمر الدولة السودانية منذ برزت إلى حيز الوجود كدولة مستقلة، ظلَت النهضة الوطنية الشاملة حلماً يداعب أخيلة بنات وأبناء هذا الوطن. ولكن ظل تحقيق هدا الحلم عزيز المنال لأن القوى السياسية التى أضطلعت بمهمة تحقيق هذا الحلم، منذ الإستقلال وحتى اليوم، لم تعجز عن تحقيقه فحسب، بل ظلت تنأى به من حيَز الممكن إلى تخوم المستحيل.

وككل شعب يحس بالمماطلة والتأجيل لنهضته، فقد عبَر الشعب السودانى بأشكال شتى وفى منعطفات مختلفة عن ضرورة مواصلة مشروع أو مشاريع تحقيق نهضته الشاملة. وبما أنه ليس هناك شكل هندسى محدد أو وصفة ثابته وصالحة لكل زمان ومكان تبنى على أساسها التنظيمات والمؤسسات التى تعمل على صياغة وتنفيذ مشاريع التنمية الوطنية الشاملة، فإنه تجئ لحظة فى تاريخ الشعوب تشكَل مخاضاً عسيراً ولكنه لازم لميلاد تنظيم جديد يتولى المهمة التى لم يحققها سابقوه. وذلك ببساطة لأن مسيرة الحياة لاتتوقف، وهى بالضرورة لاتعود إلى الوراء. وهذه اللحظة فى تاريخ شعبنا لم تحن فحسب، وإنما كادت أن تفوت. بل هى ستفوت إن لم نقبض عليها الآن. فالسؤال المطروح الآن هو"السودان يكون أو لا يكون". وإذا أردنا أن يكون السودان فإنه لايكون إلاَبمشروع جديد للنهضة الوطنية الشاملة ينبنى على كل الإنجازات التى حققها شعبنا بكل فئاته وعبر تاريخه النضالى الطويل، تلبية لتطلعاته وتوفراً لحل القضايا المعقدة لشعب متعدد الأعراق والثقافات والأديان.

أننا فى حركة القوى الجديدة الديمقراطية نسير على طريق صياغة ذلك المشروع وبسعينا إلى وحدة القوى الجديدة، قوى الحداثة والنهضة، سنترجمه إلى واقع معاش ينعم به أهل السودان جميعاً.


 السودان وسياسات النخب المدنية والعسكرية

إن تاريخ السودان الحديث هو تاريخ النضال البطولى المتصل من أجل النهضة الوطنية الشاملة التى يطوى فيها الشعب عصور التخلف المتراكمة ؛ ويتحرر فيها من ربقة الفقر والعوز ؛ ومن قبضة الجهل والمرض ؛ ويبنى مجتمع الوفرة والرخاء والسعادة والمعرفة ؛ ويلبى الإحتياجات المتجددة ، المادية والروحية ، لأجياله المتعاقبة ؛ ويتصل بروح العصر ويصعد إلى ذرى الحداثة ؛ وذلك بالديمقراطية الراسخة ؛ بالتنمية الإقتصادية المتوازنة ؛ وبالعدالة الإجتماعية ؛ وبالإزدهار الثقافى ؛ وبالتكامل القومى والوحدة الوطنية .

لم تكن النهضة الوطنية الشاملة حلماً عاطلاً ، أو أملاً مستحيـلاً ، أو تعلقـاً بإستار الوهـم ، بل كانت ومازالت إمكانية واقعية ، ومشروعاً قابلاً للتحقيق ، فى بلد موارده الطبيعية غير محدودة ، غنىُ بأراضيه الزراعية الشاسعة ، وبغاباته وبثروته الحيوانية الهائلة ، وبمعادنه النفيسة ، وبمكامن نفطه الغنية ، وطاقاته البشرية المنتجة الخلاقة والقادرة على الإضطلاع بمهام النهوض بالقطاع التقليدى ، الذى إن قعدت به قيود التخلف فقد ظلت ترتفع به التطلعات الكبيرة لحياة حرَة كريمة .

إن تاريخ شعبنا المعاصر شاهد حى على أنه ، في سبيل تحقيق نهضته الوطنية ، لم يدَخر جهداً ولم يبخل بتضحية؛ خاض معارك الإستقلال فجاد بالدماء والشهداء ، وحقق إستقلالاً خالياً من الشروط والأحلاف مستشرفاً عهداً من التحرر الوطنى الذى شمل كل القارة الأفريقية . ولكن قبل أن يشرع فى تأسيس دولته الفتية ، أوترسيخ ديمقراطيته الوليدة ، أوتعمير أرضه المحررة ، داهمته النخبة التي توهمت أن مهام التحرير قد اختتمت بوراثتها مقاعد السلطة من المستعمر . التفتت تلك النخبة لمصالحها الضيقة وسيادتها المزعومة على الشعب ، متجاهلة شروط بناء الأمة وتوحيد الوطن ، فاختصرت الوطن الشاسع مترامي الأطراف إلى رقعة لا تتعدي مسقط رأسها ، واختزلت أعراقه وإثنياته وأديانه وثقافاته ولغاته المتنوعة في إثنيتها وثقافتها ودينها ولغتها ، وطفقت تحاول فرض هيمنة الثقافة العربية الإسلامية على كل مكونات ذلك النسيج الثري ، وحنثت بوعودها باحترام ذلك التنوع ، لتدشن أطول وأيشع حرب أهلية عرفها العالم في عصره الحديث . كما وأدت الديمقراطية ، وخانت الأمانة الشعبية ، وسلمت السلطة إلى كبار جنرالات الجيش الذين أقاموا دكتاتورية كالحة استمرت ستة سنوات .

وانخرط الشعب فى نضال باسل ضد الدكتاتورية ، وتلاحمت صفوفه من جديد لإمتلاك مصيره واستعادة ديمقراطيته السليبة ، القادرة وحدها على الإستجابة لتطلعاته الإجتماعية المتزايدة العمق . وعن طريق الإضراب السياسى والعصيان المدنى والإجماع الوطنى إستطاع الشعب أن يطيح بالدكتاتورية في الحادى والعشرين من أكتوبر 1964 ، مسجَلاً بدلك أول مأثرة أفريقية عربية ينتصر فيها شعب أعزل على سلطة عسكرية مدججة بالسلاح .

وقد عبر الشعب قبل أكتوبر وأثناءها وفى أعقابها ، بأعلى الأصوات وأفصح الألسنة أن الحرب الأهلية الوحشية قد آن لها أن تخمد ، وأن نهضته المؤجلة قد آن أوان مواصلتها من جديد ، بسرعة تطوى المسافات ، ووثائر تلحق بالركب الصاعد للإنسانية المتقدمة . ولكن القوى التى اجهضت الإستقلال لم تتورع مطلقاً عن إجهاض ثورة اكتوبر . ولاغرو، فهى لم تغير شيئاً من برامجها أو مطامعها ، ولم تنمَ عن أية حساسية سياسية أو إجتماعية نحو قضايا الشعب أو الوطن ، ولم تتعلم من العثرات التى أزاحتها هى ذاتها عن مواقع الحكم والنفوذ . فتحوَل الحكم على يديها الى سباق محموم لإقتسام قوت الشعب ، وجعلت السلطة أداة للفساد وانتهاك الدستور والاستعلاء على حكم القانون ، وتحوَلت الديمقراطية إلى أشكال خاوية لا تجلب سلاماً لشعب ، ولا لبناً لطفل ، ولا مدرسة لتلميذ ، ولا علاجاً لمريض ، ولا لقمة لجائع ، ولا بيتاً لمستظل بالسماء ، ولا مأوى لهائم فى العراء . وليست الديمقراطية فى نظرنا ، سوى هذه الأداة السياسية الإجتماعية لإمتلاك المصير ، التى تتوسل بها الشعوب لتحقيق مطالبها الإنسانية ، البسيطة والمباشرة .

ولذلك فعندما أطاح إنقلاب عسكرى بالهياكل الديمقراطية الفارغة فى الخامس والعشرين من مايو 1969 ، إمتلأت شوارع المدن والقرى بالجماهير المؤيدة للإنقلاب الآملة فى أن يحقق لها الإنقلاب ماعجزت عن تحقيقه القوى التقليدية . ولكن سرعان ما اتضح لجماهير الشعب أن بقرة الدكتاتورية عجفاء وغير حلوب . ولم تتوان آنذاك عن خوض المعارك السلمية والمسلحة ضد حكم الطاغية الفرد الذى أهدر الموارد ، وباع سيادة الوطن ، وسام الشعب سؤ العذاب ، وأشعل الحرب من جديد ، ولم يتردد فى سبيل تخليد حكمه فى إعتناق كل الأيديولوجيات ، وتبنى كل البرامج ، وإستغلال كل الأحزاب والقوى . ولكن ذلك كله لم يعصمه من غضب الشعب ، ولم يحمه من ضربته القاضية التى سددها له فى أبريل 1985 

أعاد الشعب الديمقراطية للمرة الثالثة ، ولم يكن مساوياً لتمسكه العميق بها إلاتسامحه الفذ مع أولئك الذين وأدوها مرتين ، فماذا كانت النتيجة ؟
النتيجة أنهم تنكروا لكل الوعود التى فوضهم الشعب على أساسها ، فأبقوا على الحرب الضروس ، وعلى آثار مايو ، وعلى قوانين سبتمبر ، وعلى المصالح والمؤسسات الإقتصادية التى امتصت دم الشعب ، واغتنت بالمضاربة فى قوته اليومى ، بل بذلوا كل مايستطيعون من جهد لإدخال الجبهة الإسلامية إلى الحكم وهى التى دعمت النظام المايوى فى سنينه الأخيرة ، وصاغت قوانين سبتمبر 1983 ، وأشرفت على تطبيقها فصارت مسؤولة عن كل الجرائم التى ارتكبت فى ظل تلك القوانين من إغتيال وبتر وقطع وترويع للمواطنين وإشانة لسمعة الكثيرين بالباطل ، وهى التى شاركت مشاركة فعالة فى تخريب الإقتصاد الوطنى وتاجرت فى أقوات الشعب واحتكرت السلع الأساسية لتجنى منها أرباحاً ربوية غير مشروعة ، وهى التى صارت ملاذاً لكل العناصر المعادية للديمقراطية والحاقدة على الشعب ، والمتربصة للفتك به . وكانت تلك هى جهودهم الأساسية التى تكللت بالنجاح . بل إنهم لم يحركوا ساكناً عندما علموا علم اليقين أن الجبهة الإسلامية ، مستخدمة مواطئ الأقدام التى أتاحوها لها فى سدة الحكم ، تتأهب للإطاحة بالنظام الذى يتربعون على قمته ، وإدخال البلاد من جديد فى لجة مظلمة من لجج الدكتاتورية . 

ورغم كل موجبات الإحباط ومظاهر الفشل إلا أن شعبنا قد أنجز إنجازاً فذاً بممارسته للديمقراطية بعيد الإستقلال ، وإستعادته لها مرتين ، وإستعداده للنضال من أجلها مهما تعاظمت التضحيات وتضاعفت الصعاب . ففى تلك الفترة القصيرة خبر شعبنا مزايا الديمقراطية ، رغم كل النواقص والتشويهات التي صاحبت الممارسة ورغم الحرب والإقصاء والتهميش لأقوام بكاملها ، كأسلوب للحكم ، وكمنهج للحياة ، يمكن أن ينعم فيه الفرد بالحرية الفردية والكرامة الذاتية ، وحماية القانون ، وأن يتمتع فيه بحقوق التنظيم والتعبير والإجتماع ، وتستطيع فيه الأحزاب والنقابات والفئات والجماعات أن تدافع عن برامجها ومصالحها ومواقفها ، وتزدهر فيه الحياة الثقافية والمناشط الإبداعية الخلاَقة ، ويقف فيه الشعب جميعاً على حقيقة أوضاعه الإقتصادية والإجتماعية ويصل الى كيفية معالجتها . وقد صارت الديمقراطية من خلال كل ذلك خياراً نهائياً لشعبنا ، وتوطد إيمانه بها مع كل تجربة دكتاتورية جديدة يذوق الشعب فيها ويلات القمع السياسى ، وفقر الوجود المادى ، وبؤس الحياة الثقافية ، وتفاقم التناقضات القومية .

إن المأثرة الخالدة المتمثلة فى التعلق بالديمقراطية والنضال من أجلها ، وإستعادتها والدفاع عنها هى مأثرة شارك فيها الشعب بكل فئاته ، وشاركت فيها ، بأقدار متفاوتة ، كل أحزابه السياسية ذات الشأن ، وشاركت فيها النقابات العمالية والمهنية وغيرها ، كما شاركت فيها أقسام معتبرة من القوات النظامية إنحازت إلى الشعب فى أصعب المنعطفات وأبطلت مفعول الآلة القمعية التى أعدها الطغاه لدحر الشـعب وتأيـيد الطغيان .

إن طبيعة الممارسة السياسية والإجتماعية ، وتجارب الشعوب ، ودروس التاريخ ، لاتسمح بالإعتقاد بأن توطيد وترسيخ الديمقراطية أمر سهل وميسور ، أو يتم دون صراع وانتكاسات . فالخاصية الفريدة للديمقراطية هى أن نواقصها لايتم تخطيها ، واعوجاجاتها لايتم إصلاحها ، وأمراضها لايتم شفاؤها ، إلا بالمزيد من الديمقراطية . وقد آب بالخسران المبين كل أولئك الذين حاولوا الوصول الى أهدافهم بوأد الديمقراطيـة ، سواء أن جاءوا من اليمين أو من اليسار .

لكن مهما بلغ تعلقنا بالديمقراطية كقيمة ذاتية فإننا لانستطيع أن نغفل عن الحقيقة المريرة المتمثلة فى أن تطلعات الشعب المشروعة التى سعى إلى تحقيقها من خلال النظم الديمقراطية قد أجهضت المرة تلو الأخرى . كما لا نستطيع أن نغمض عيوننا عن القوى الإجتماعية والسياسية المسئولة عن هذا الإجهاض ، والتى أوصلت السودان إلى وضعه المأساوى الراهن .

إن الوقوف عند المظاهر السيزيفية لمسيرة شعبنا ، والإكتفاء بالإشارة إلى الدائرة الشريرة التى يدور فيها ، من إنتفاضة شعبية ، ففترة إنتقالية ، فحكم ديمقـراطى فإنقلاب ، لايسفر إلا عن تغبيش الرؤية وخلط الأوراق . فمن هى القوى السياسية والإجتماعية المسئولة عن الدائرة الشريرة وعن إجهاض نضالات الشعب والتلاعب بمصائره ؟ وماهو الخيط الخفى الناظم للفوضى البادية للعيان .

لقد حكمت السودان منذ الإستقلال وحتى اليوم نخب مدنية جاءت عن طريق الإنتخاب سلَمت السلطة عند المنعطفات الخطرة الى نخب عسكرية تواصل السير فى نفس الإتجاه ، وذلك إما عن طريق الإستدعاء المباشر ، كما حدث فى 1958 ، وإما عن طريق العبث اللامسئول بالديمقراطية والمصالح الشعبية ، كما حدث عام 1969 ، وإما بالتمكين ثم الإغضاء كما حدث فى يونيو 1989 .

تتكون هذه النخب من الزعامات الطائفية التى تعتقد أن لها حقاً إلهياً فى حكم السودان والإنفراد بخيراته وذلك بما تتميز به عن جميع أهله من شرف الأصل ونبل الأرومة. كما تتكون من قادة عسكريين استغلوا قوة المؤسسة التى ينتمون اليها فى الإستيلاء على السلطة بدلاً من حماية الحدود والسيادة وظنوا أن تعميم العلاقة العسكرية على الشعب كله كفيل وحده بحل مشاكله ، ولكنهم ، ودون إستثناء ، وصلوا بالأزمات التى جاءوا لحلها إلى درجات تفاقمها القصوى ، وقد هبَ الشعب فى كل مرة لينقذ من براثنهم البلاد التى جاءوا من أجل إنقاذها! وقد تحلَقت حول هؤلاء وأؤلئك جماعات من الرأسماليين الطفيليين ، ومن المثقفين العارضين لخدماتهم على كل حكم، ومن تجار القضايا الوطنية فى الجنوب والشمال. وجمع بينهم جميعاً إقتناعهم العميق بأن الحكم لايتعلق بحل مشاكل الشعب ، ولاتنمية الثروة القومية ، ولا إحداث النهضة الوطنية، بل يعنى أولاً وأساساً نهب الثروات المحققة والموارد المتاحة ، واستغلال الفوائض الإنتاجية ، وامتصاص الشعب حتى العظم والنخاع.

لقد جاءت الدولة الدينية الأصولية من هنا ، جاءت كخلاصة مركزة، لا تشوبها شائبة ، لكل النفائص والتشوهات التي صاحبت مسيرتنا الوطنية منذ الاستقلال . جاءت تجسيدا لنزعات الاستعلاء الديني والعرقي التي تصور للبعض أنهم فوق البشر ، وتتويجاً لغرائز الأنانية والطمع التي تبرر لهم الاستيلاء على كل الثروات ، وصيغة متطرفة لأهواء الانفراد بالسلطة ، وإخضاع الشعب إخضاعاً كلياً وتسييره بالحديد والنار ، وبالتعذيب الوحشي ، والدم المراق ، والإبادة الجماعية .

إن الحصاد المر لسياسات النخب المدنية والعسكرية ، التي تعاقبت على الحكم منذ الاستقلال هي التالية:
·       حرب راح ضحيتها الملايين من القتلى والجرحى والمشردين ، دمرت شروط الحياة واقتلعت قوميات بأكملها من جذورها ، وزرعت أحقاداً تصعب إزالتها على المدى القريب ، ودفعت بوحدة البلاد إلى حافة الهاوية.
·       إهدار إجرامي لموارد البلاد ، تدمير لقواها المنتجة ، قضاء على شروط الحياة الإنسانية في كل ربوعها ، وإطلاق لثقافة الكراهية والتدمير والموت في كل الاتجاهات ، وتحويل مأساة شعب إلى خيرات تنعم بها قلة ضئيلة ، مفتونة بذاتها إلى درجة المرض ، غارقة في أوهام العظمة وتأليه الذات ، فاعلة كل ذلك باسم مشروع حضاري هو في واقع الأمر تجسيد صارخ للبربرية.

 وليس غريباً والحالة هذه ، أن ينخرط السودان في مسيرة من النكوص والتدهور، وان يقذ السير، والسياط تلهب الظهور، نحو الفناء والتلاشي، حتى وجد نفسه أمام الخيار الوجودي:
السودان، يكون أو لايكون؟

ولا يكون السودان إلا بنهضة وطنية شاملة ، ولا تكون النهضة الشاملة إلا بإعادة صياغة الدولة السودانية بصورة جذرية ، لتتسع لكل أقوام السودان متعددي الأعراق والثقافات والأديان ، وتتوفر لحل قضاياهم المعقدة ، وتتجه نحو خدمة أهدافهم جميعاً ، وتشركهم إشراكا كاملاً في كل ذلك ، وتعيد توزيع الثروة والسلطة وفق مقتضيات الحق والعدالة و ضرورات التنمية المتوازنة والتقدم ، بل والأهم من ذلك توظيف قدراتهم اللامحدودة في خلق الثروات الجديدة . ولن تعاد صياغة الدولة السودانية إلا بتصحيح الحياة السياسية وإصلاحها . ولا يحدث ذلك إلا بإقناع القوى الجديدة للانخراط في تنظيم جديد واسع عريض يوحدها جميعا ، كقوة سياسية قومية التكوين والتوجه ، ديمقراطية اللحمة والسداة ، حديثة التكوين متقدمة الآداء ، واضحة الرؤية ، قوية الإرادة ، حاسمة الأساليب ، تنظيم يجسد القيم التي أشرنا إليها ، ويمثل تحديا أمام قوى السودان القديم : أما أن تصلح ذاتها وتصوراتها وأساليبها ، أو أن تخلي المسرح وتواجه الانقراض .


تكوين حركة القوى الجديدة الديمقراطية ( حق ) هو خطوة متواضعة نحو هذه الأهـداف . وهي واعية تماماً أنها ليست وحدها في الميدان ، بل هناك تنظيمات وحركات أخرى تحمل نفس الأهداف ، وتسـير في نفس الاتجاه ، بهذه الدرجة أو تلك من درجات الخصوصية والتميز ، ولذلك فإن توحيد هذه القوى يبقى هو الأولوية السياسية ، التي لا تدانيها أولوية أخرى ، والتي تعمل الحركة لتحقيقها رغم الصعاب والعقبات ، والشكوك والمقاومة. فهي تعرف أن الضرورات الوطنية تفرض نفسها في النهاية ، ولكن دون ذلك عزائـم النسـاء والرجـال، ويقينهن ويقينهم ومثابرتهن ومثابرتهم .

تكوين هذه الحركة يتم في سياق ديمقراطي ، غير شمولي ، لا يفترض وجود الأحزاب والحركات الأخرى فحسب ، بل يتعامل مع ذلك كضرورة وجودية تتمكن الحركة من خلالها من إثبات رؤيتها الأكثر صواباً ، وممارساتها الأكثر فعالية في خدمة الشعب وتحقيق آماله .  وهي لا تثبت ذلك مرة واحدة والى الأبد ، بل تحاول إثباته في كل دورة انتخابية ، وفي كل لحظات الاختيار الديمقراطي .

النظام السياسي الجديد ومشروع النهضة الشاملة :-

الأزمة الوطنية المترابطة الحلقات التى دخلت فيها البلاد منذ الإستقلال ، والتى حددنا معالمها أعلاه ، توضح إختلال الأسس التى قام عليها النظام السياسى فى بلادنا ، وهذا يتمثل فيما يلى:
·       المركزية الصارمة التى تعطى الحكومة فى الخرطوم سلطات مطلقة تمكنها من إتخاذ القرارات المصيرية حول كل القضايا القومية والمحلية .
·       ومع أن هذا الوضع يهمش كل الشعب ويسلب إرادته ، إلا أنه يؤدى بصورة خاصة الى تهميش الأقاليم وأهلها ، وهم الذين يتحملون أكثر من غيرهم أعباء تلك القرارات .
·       المحافظة على مظاهر النمو غير المتوازن التى خلقها الإستعمار، ومفاقمتها بإطراد مما جعل الأقاليم الأقل نمواً تزداد تخلفا ً. إن ظاهرة الإنهيار الإقتصادى وإنحدار مستوى الحياة قد عمَت كل شعبنا ، ولكنها تضرب الريف بقسوة أكبر وتلحق به أضراراً أفدح .
·       إعتماد مفهوم خطير وقاصر للهوية السودانية ، يقف على أرضية الإستعلاء الدينى والعرقى ، ويتجاهل كل عناصرها ومكوناتها العديدة ، ويحصرها فى الإنتماء العربى الإسلامى ، ويعمل على تعميم ذلك ليبتلع كل ماعداه ، إن لم يكن بالحسنى، فبالعنف والإزاحة والإبادة .
·       إقامة الدولة الدينية لإعطاء كل المظالم المشار إليها تجسيداتها المؤسسية‘ وتعبيراتها الأكثر فظاظة، المتمثلة فى الحرب والتطهير العرقى والدينى والإبادة الجماعية ، وفى السلب من حقوق المواطنة ، وخلق مواطنين من الدرجـة الثانيـة ، وتأبيد المظالم الإقتصادية والإجتماعية وجعل وحدة البلاد أمراً مستحيلاً .

إن مهمة شعب السودان التاريخية تتمثل فى تجاوز هذا النظام ، وإقامة نظام سياسى جديد يلبى تطلعات الشعب ويعكس تعدديته الغنية ، ويطلق طاقاته الخلافة . مكونات هذا هى فى إعتقادنا مايلى:

قضية الهوية السودانية :-

لايمكن إقامة نظام سياسى جديد بدون الإنطلاق من مفهوم صحيح للهوية السودانية ، ومن كونها تعددية. فالذين ينطلقون من أن السودان عربى سيقومون بتهميش القوميات غير العربية ، والذين يقولون أن السودان أفريقى سينادون بطرد العناصر الدخيلة ، والذين يقولون أن السودان إسلامى سيحيلون الآخرين جميعاً الى مواطنين من الدرجة الثانية ، والذين يقولون أن السودان بلا هوية سيقسمونه إرباً إرباً . فالسودان قطر متعدد الأثنيات ، متعدد الثقافات ، متعدد الأديان ، متعدد اللغات ، ويجب أن تنبني مؤسساته الدستورية والثقافية والتعليمية والإعلامية على هذه التعددية . كما يجب اعتبارها مصدر غنى وعمق وخصوبة وجمال ، لا مصدر شقاق واحتراب وتفتت .  

إن مايجمع بين السودانيين هو بمنتهى البساطة سودانيتهم ، هو إنتماؤهم الى هذا الكيان الجغرافى السياسى الكبير ، المسمى بالسودان، تجمع بينهم حقوق المواطنة المتمثلة فى المساواة أمام القانون ، والضامنة للمشاركة السياسية الديمقراطية الفعالة ، ولحرية الدين والمعتقد والفكر والتعبير ، وحقوق التعليم والعمل والعلاج والسكن ، وحريات التماذج والإختلاط والتزاوج والإنتقال ، وحقوق الكرامة الموفورة لهم جميعاً دون تمييز . كما تجمع بينهم كذلك واجبات المواطنة الصالحة المتمثلة فى الدفاع عن الوطن ، وحماية الدستور الذى يجيزونه بمحض إختيارهم ، واحترام القوانين المعتمدة ديمقراطياً ، والتصرف وفق القيم الكلية التى يرتضيها المجتمع .

وتميز بين السودانيين قومياتهم ، وثقافاتهم وأديانهم وألوانهم ، والتى لها جميعاً حق الوجود والتعايش وحق النمو والإزدهار ، وحق التفاعل والإنصهار ، والتى هى مصدر للغنى ، وحافز للتطور ، ومدخل لعلاقات إقليمية ودولية ذات خير وفير لشعبنا . إن ما يسمم العلاقة بين هذه المكونات هو نزعات الإستعلاء الدينى ، وأوهام الأفضلية العرقيـة ، والتى يجب محاربتها فى كل مظاهرها .

إن ميل الهوية السودانية للتفتت ، وإتجاهاتها للإنحلال الى مكوناتها الأولية ناتج فى واقع الأمر عن سياسات الهيمنة والاستعلاء من ناحية ، وضمور الحقوق الثابتة التى يتمتع بها المواطن السودانى ، وإلى تواضع المكاسب المادية التى نالها من الناحية الأخرى . إن الإنتماء إلى السودانية يقوى ويرسخ ، ويصبح إنتماءاً كافياً وقائماً بذاته ، بل يصبح مصدراً للفخر والإعتزاز ، كلما توطدت تلك الحقوق واغتنت ، وترجمت الى حقيقة وواقع ، وإلى إنجازات ومكاسب ، وإلى إستقرار وإزدهار ، وإلى عيش سعيد ومستقبل غنى بالوعود . حينها تصبح السودانية بوثقة عظيمة تتفاعل فيها كل مكونات الشعب، تفاعلاً إيجابياً مثمراً . وهو أمرَ قابل" تماماً للتحقيق .  

الدين والدولة:

إننا ندعو إلى فصل الدين عن الدولة ، ونعتبر ذلك شرطاً أساسياً لضمان بقاء السودان بحدوده الحالية ، وضمان قيام نظام ديمقراطى للحكم . ولذلك فإننا نرفض الدولة الدينية فى أية صورة جاءت ولانعترف لأية أغلبية دينية بالحق فى إقامة دولة دينية تحت أى إسم .

ولا ننطلق فى ذلك من عداء نكنه لأى دين من الأديان ، بل بالعكس تماماً ، نسعى إلى النأى بالدين عن منطقة الأهواء والمصالح الدينوية ، ومعترك السياسة بكل تناقضاته وتقلباته ، ونحفظ له قدسيته وسموه.

لقد تعلمنا من التجربة القاسية ، الخاصة بنا والمتعلقة بالآخرين ، القديمة والمعاصرة، أن الدولة الدينية لاتكون إلاَطغياناً منفلتاً ودكتاتورية بغيضة . فأولئك الذين يقيمون دولة دينية يعتقدون دون إستثناء أنهم تجسيدات بشرية للإرادة الإلهية ، وأن برامجهم السياسية ، وسياساتهم الإقتصادية ، والتى لاتخدم سوى مصالحهم الخاصة ، هى تحقيق لإرادة السماء ، وأن من يعارضهم إنما يعارض الله ويلتحق بحزب الشيطان . ولاعلم لنا بأى دولة دينية ، أقامها بشر غير معصومين من الخطأ إستطاعت أن تفلت من هذا المصير ، وقد أسألت الدولة الدينية دماءاً غزيرة عبر التاريخ ، وجلس طغاتها على عروش من جماجم معارضيهم . وقد آن للبشرية أن تنهى هذه الظاهرة التى كلفتها شططاً ، وقعدت بها قروناً: ظاهرة إستغلال الدين من أجل الدنيا ، أن تلجأ فئة من الناس شديدة المكر والدهاء إلى إلباس مصالحها ، الضيقة إلى أبعد الحدود ، ثوباً دينياً فضفاضاً ، وإعطاء طغيانها ، الفاقد للشرعية، شرعية سماوية متعالية ، وتصوير إنحدارها الأخلاقى كنوع من التسامى .

إن ماندعو إليه هو قيام دولة علمانية ، مدنية, السيادة فيها للشعب ، ينصب من يشاء ويخلع من يشاء ، ويحدد إتجاهه بمحض إختياره . وندعو لذلك لأننا نؤمن إيماناً راسخاً بأن صياغة الأسس التى تقوم عليها المجتمعات ، ومنها نظام الحكم ، وتعهدها بالتطوير المتصل. المستجيب للحاجات المتجددة والظروف المتغيرة ، هى مسائل بشرية صرفة، تضطلع بها الإنسانية من خلال مفكريها وساستها الأفذاذ ، ومن خلال قواها التقدمية، وفئاتها وطبقاتها الصاعدة .

وإن حضارتنا المعاصرة لم ترسخ دعائمها ، ويشمخ بناؤها ، وتزدهر روحها الخلاقة، إلاعلى أساس هذا الإدراك الصحيح لطبيعة المجتمع ، بإعتباره كينونة قادرة على إمتلاك مصيرها ، وحل تناقضات تطورها ، وتوسيع حيز حريتها ، وتحقيق ماتصبو إليه من الآمال .

ولم ينتصر هذا التصور فى الفراغ ، بل فى معمعان الصراع ضد تلك القوى التى تمسكت بالأوضاع الراهنة لحماية مصالحها وإمتيازاتها ، أو تمسـكاً برؤاها وتصـوراتها ، أو جهلاً بالجديد وخوفاً من نتائجه ، ولم تتورع تلك القوى ، فى أغلب الأحيان ، عن إستغلال الدين والتمترس خلف أسواره العلية . ولكن الطبيعة الإنسانية للصراع كانت تتكشف بإستمرار ، حتى توطدت تماماً فى حضارتنا المعاصرة .

إن مشروعية الصراع الإجتماعى ، ودنيوية المصالح الإقتصادية ، ومشروعية المعارضة السياسية ، ووضع الدين فى موضع القداسة والإلهام ، وحق الشعب فى أن يملك مصيره يحدد شروط عيشه المشترك ، هو على وجه التحديد مانعنيه بالعلمانية. إنها تساوى بين الأديان ، وتضمن حرية الدين والمعتقد ، وتمنع الإضطهاد الممارس بإسم الدين أو الواقع عليه ، وتنشر رايات التسامح الدينى .

إنها تضع المجتمع على قاعدة صحيحة قوامها المصالح المشتركة ، والحرية الفكرية ، والنأى عن إدعاءات إحتكار الحقيقة ، وتزيل بالتالى مصدراً أساسياً من مصادر الإزاحة والتهميش وإستبعاد الرأى الآخر ، وإنكار الشخص الآخر بصورة تبرر إفناءه فى نهاية المطاف .

الديمقراطية وحقوق الإنسان:-

إننا نؤمن بالديمقراطية كنظام للحكم ، وكعلاقات تتخلل كل خلايا المجتمع المدنى والسياسى ، ولاندخر وسعاً فى النضال من أجل أن تصبح واقعاً فى بلادنا.
والديمقراطية تعنى لنا ببساطة حكم الشعب ، بواسطة الشعب ومن أجله . وهذا يعنى:
·       المجالس النيابية والحكومات المنتخبة إنتخاباً حراً عادلاً.
·       مساواة الناس أمام القانون وعدم التمييز بينهم على أساس الدين أو العرق أو الجنس أو اللون.
·       تأسيس الحقوق على المواطنة وفى إنسجام تام مع المواثيق والعهود الدولية.
·       وضع الضمانات والكوابح ضد الطغيان وسؤ إستغلال النفود بفصل السلطات التشريعية والتنفيدية والقضائية وضمان إستقلال القضاء.
·       التعددية الحزبية والسياسية، وحرية التنظيم والتعبير والصحافة والتداول السلمى للسلطة.
·       إستقلال مؤسسات المجتمع المدنى من جامعات ونقابات ومنظمات أهلية وجمعيات غير حكومية وروابط ثقافية وإبداعية وغيرها ، وتمكينها من ممارسة نشاطها بما يحقق أهدافها المشروعة ويخدم المجتمع.
·       قومية وسائل الإعلام من حيث الرسالة والإنتشار والإدارة وإنفتاحها على كل الثقافات الوطنية والعالمية ، وطرحها للبرامج السياسية للحكومة والمعارضة، وإضطلاعها بأداء رسالتها كاملة فى تنوير الشعب وتعليمه.

إن الديمقراطية كنظام للحكم ، وإدارة الصراعات ، وتنظيم المجتمعات وتربية الأفراد، واحدة من حيث الأساس . وإذا كانت أصولها ترجع إلى ماقبل الميلاد ، فإن المجتمعات المعاصرة قد أغنتها بالفكر والعمل ، وأوصلتها إلى مرحلة النضج ، وحددت معالمها بدقة كبيرة . إن الذين يتفادون إستخدامها بدعوى التأصيل ، إنما يتفادون وضوحها الذى يمنع الطغيان ، وإحكامها الذى يمنع التحايل والمكر ، وهم لايستخدمون الإصطلاحات الأخرى إلا لأنها ، من فرض غموضها ، تسمح لهم بأن يفعلوا بالشعب مايريدون .

وإذا كانت تجربتنا الديمقراطية قد إقتلعت ثلاث مرات ، فقد آن الأوان لوضع الضمانات لإستمرارها وبقائها ، وتوفير الشروط لحمايتها ضد القوى المعادية لها والمتحفزة دوماً لإقتلاعها من الجذور .

ويأتى على رأس هذه الضمانات قيام نظام الحكم الديمقراطى على قاعدة سياسية وإجتماعية ديمقراطية . ومن هنا ضرورة إجراء إصلاح سياسى شامل يحول الأحزاب والتنظيمات المشاركة فى المنافسة الديمقراطية ، والمتصارعة من أجل الوصول إلى السلطة السياسية ، إلى أحزاب ومنظمات ذات تكوين داخلى ديمقراطى ، تطبق الديمقراطية فى ذاتها، وتوفرها لأعضائها ، قبل أن تتكفل بتوفيرها لأعضاء المجتمع، فالذى يبخل بالديمقراطية على أعضاء حزبه ومؤيديه ، لايمكن أن يجود بها على المجتمع ، والذى يفتقد الشئ لا يجود به .

إن الأحزاب القائمة على أسس غير ديمقراطية لاترضى بالنظام الديمقراطي إلا إذا كان أداة مناسبة لحملها لسدة الحكم ، أو لحماية امتيازات خاصة بها ، ولا تتردد في ركله في اللحظة التي يهدد امتيازاتها ومواقعها ، إن قيام النظام الديمقراطي على قاعدة غير ديمقراطية هو المصدر الأساسي لهشاشة التجربة الديمقراطية في بلادنا ، وسهولة اقتلاعها في كل لحظة يقـرر فيـها أحد اللاعبين الأساسيين أن قواعد اللعبة لم تعد تناسبه .
لقد برزت في الساحة السياسية تيارات قوية ، داخل الأحزاب السياسية وخارجها ، تدعو إلى إصلاح ديمقراطي عميق في كل البنية السياسية والاجتماعية ، وتعمل من أجله بكل إخلاص وعزم . إننا نمد أيدينا إليها كلها لنعمل معاً حتى ترسخ شجرة الديمقراطية في ثـرى بلادنـا وترتوي جذورها وتشمخ فروعها فتؤتي أكلها وتمتد ظلالها ، وحتى تنتهي غربة المؤسسات الديمقراطية فتصبح قريبة من الشعب ، مألوفة لديه ومسخرة لخدمته .

كما أن أهم قضايا الإصلاح الديمقراطى العام هى تأسيس النظام ااديمقراطى على المساواة الكاملة بين المواطنين فى حقوق التصويت وذلك بإعتماد قاعدة فرد واحد صوت واحد . إننا ننفض أيدينا عن أى دعوة للتمثيل الخاص بإعتبار ذلك منافياً لروح الديمقراطية . إننا نعتقد أن الدعوة لتمثيل خاص وإضافى، لأى فئة من الفئات لاينسجم مع روح الديمقراطية ، ولم يبرز إلا فى ظروف خاصة تم تخطيها بصيرورة النضال من أجل إستعادة الديمقراطية نضالاً شعبياً واسعاً تشترك فيه جماهير الريف ، مثلما تشترك فيه جماهير المدن ، كما أن الوعى المتزايد للجماهير الريفية كفيل بتمكينها من إختيار ممثلين لها يخدمون مصالحها بإخلاص، وكفيل بأن يمكنها من إستبدالهم إذا إتضح لها غير دلك بالتجربة العملية .

ولذلك فإننا لاندعو لتمثيل خاص لما يسمى بالقوى الحديثة لأن هذه القوى تستطيع أن تخلق أدوات تعبيرها وتنظيمها السياسى ، وتلتصق بجماهير الشعب فى كل أصقاع السودان ، وتقنعها برسالتها وبرامجها أسوة بالقوى الأخرى ، وإذا فشلت هذه المرة، فإنها جديرة بالنجاح فى المرات القادمة .

لاندعو لتمثيل خاص للنقابات لأن مهامها إقتصادية وإجتماعية ، خاصة بأعضائها أساساً، ولها وسائل ضغطها وآليات تفاوضها الجماعى على كل الحكومات ، كما أن أعضاءها كأفراد يملكون كل الحقوق السياسية ألتى تمكنهم من المشاركة فى النظام السياسى .

ولاندعو لتمثيل خاص للقوات النظامية ، لأن مهمتها ليست الحكم ، بل حراسة حدود البلاد ، وحماية الدستور ، وحراسة السيادة الوطنية ، وإذا خرجت على هذا الدور فليس من شأننا أن نقنن لها هذا الخروج . ونحن نعتقد أن إشراك القوات النظامية فى الحكم هو من أخطر الإختراقات للنظام الديمقراطى .

إن رسوخ النظام الديمقراطى لايتأتى إلا بإرساء مفهوم للحكم يضع السلطة خادمة للشعب لا سيدة عليه وصانعة للثروة لا ناهبة لها ، بذلك تنتفي الغنيمة التي تتقاتل الحكومة والمعارضة حولها ويصبح الصراع حول خدمة الشعب والوطن ، كما لايتأتى إلا بمنع طغيان الأغلبية وحماية حقوق الأقلية وبوضوح العلاقات والأدوار بالنسبة لكل المنظمات السياسية والإجتماعية ، ونرى أن يضَمن ذلك فى الدستور الدائم للبلاد .

إن الديمقراطية ممارسة متكاملة ، فردية وجماعية ، يجب أن ينشأ عليها الطفل فى أسرته ، وفى كل مراحل تعليمه ، ومحيطه الإجتماعى ، ويجب أن تتخلل كل مؤسسات المجتمع المدنى ، وحتى يتوفر لكل الناس الإستعداد للدفاع عنها حتى الموت .

ويرتبط برسوخ الديمقراطية احتذاء تصور واضح لحقوق الإنسان ، وفرته المواثيق الدولية لحقوق الانسان والتي تواضعت عليها البشرية بعد نضالات وحروب ضروس،   ووضع الضمانات لحمايتها . وقد صارت حقوق الإنسان مكوناً أساسياً من مكونات الوعى الإنسانى المعاصر ، وانصرف التفكير إلى حمايتها ، ليس فقط ضد تجاوزات النظم الدكتاتورية ، بل كذلك ضد قصور النظم الديمقراطية ، أو إستغلال الحكومات للتفويض الشعبى لظلم معارضيها .

وحقوق الإنسان المستندة إلى المساواة بين جميع البشر بصرف النظر عن النوع أو العرق أو الثقافة أو الدين تتضمن :
·       حق الحياة، بحماية حياة الأفراد والجماعات من التهديدات الطبيعية والإنسانية، ومقاومة الحروب ، وصد العدوان ، وإستئصال الأوبئة والتعاون فى درء أسباب الكوارث الطبيعية وتخفيف آثارها.
·       حق الحرية ، حرية الضمير والمعتقد ، والبحث والفكر ، والتعبير والتنظيم والإنتقال ، والإبداع الأدبى والفنى .
·       حق الملكية ألتى تغنى وجود الفرد وتمكنه من التحكم فى مصيره الشخصى، وتجلب المنفعة للمجتمع ، ولاتؤدى إلى إستغلال الآخرين وإذلالهم.
·       حق التعليم والعلاج والعمل والسكن ، بإعتبارها حقوقاً جماعية وشروطاً لتحقيق الإنسان لإنسانيته.
·       حق التمايز الثقافى والخصوصية والتفرد ، والكرامة الشخصية ، ومشروعية البحث عن السعادة والفرح بالحياة.

إن هذه الحقوق ، وغيرها مما تشتمل عليه المواثيق الدولية، لاتتحقق دفعة واحدة، ولابصورة خالية من الصراع ، بل يرتبط تحقيقها بالنهضة الوطنية الشاملة ، ألتى نناضل من أجلها .

الفدرالية:-

إن حجم بلادنا ، وتعددها القومى ، ونموها غير المتوازن ، ومقتضيات إشراك الجماهير فى حكم أنفسهم ، وإتخاد القرار السياسى على أقرب مستوى ممكن من أولئك الذين يتأثرون به مباشرة ، يجعل الحكم الفيدرالى ، الديمقـراطى ، وذا السلطات الحقيقية ، هو أنسب الأشكال لتطور بلادنا السياسى ، وتلاحمها القومى . ويترك للدستور الدائم أن يحدد شكله الذى يرضاه المجتمع ويستقر عليه الشعب .

حق تقرير المصير: -

حق حركة وحدوية ، وتؤمن بأن منعة السودان فى وحدته ، ومصلحة شعبه فى التمسك بهذه الوحدة . ولكنها تؤمن فى نفس الوقت ، بأن الوحدة لاتفرض بالحروب والعنف، ولاتبقى عن طريقها . إنها إختيار شعبى حر قائم على الإيمان بأن البقاء فى هذا الوطن يضمن الحياة والتقدم والسعادة لكل أهله . فالأرض من أجل الشعب وليس العكس. والوطن يفقد مبررات وجوده الأخلاقية- قبل القانونية- إذا أصبح تجريداً كاملاً من الحقوق ، وإهداراً للحياة ، وتدميراً للموارد ، وسحقاً للكرامة . وعلى هذا الأساس فإننا نؤمن بحق تقرير المصير للقوميات المهددة الوجود ، والمسلوبة الحقوق ، وخاصة فى الجنوب ، وجبال النوبة وجنوب النيل الأزرق ، ونقبل دون تردد نتائج إختيارها الحر .
ولكن برنامجنا وحدوى كما هو واضح لأنه يجعل الوطن مكاناً جديراً بالإنتماء إليه والعيش فيه ، ولأنه يطرح على أصحابه ، وعلى الشعب ، وحدة المصير العملية فى الشدة والرخاء ، فى الحقوق والواجبات .

العدالة الإجتماعية:

منهجنا فى دراسة المجتمع ، وصياغة النظرية الإجتماعية ، ورسم البرامج السياسية، وإدارة الدولة ، هو المنهج العلمى.

المنهج العلمى القائم على الملاحظة ، والقياس الكمى للظواهر ، والمسوح الإحصائية، والدراسة الميدانية ، وتصنيف الحقائق وترتيبها ، وطرح الأسئلة الصحيحة ، وتكوين الفرضيات وإبتداع النماذج ؛ وإعمال الأساليب المنطقية من إستنتاج وإستقراء وإزالة للتناقض ؛ وإمتحان النتائج بالتجربة ؛ وجعلها قابلة للنقض كما هى قابلة للأثبات .

المنهج العلمى المستند إلى كل إنجازات العلوم الإجتماعية ، ووسائل البحث المتقدمة، والمعتمد على مقدرة العقل الإنسانى فى إلتقاط الظواهر وكشف العلاقات ، ومعرفة الأسباب ، والنفاذ إلى جوهر الأشياء وإستبانة إتجاهاتها المستقبلية ، والمنطلق فى كل ذلك من خصوصية المجتمع السودانى ، وخصوصية مشاكله وحلولها .

المنهج العلمى العارف لكون التنظير الإجتماعى يتعلق بالناس ، وإختياراتهم الحرة إلى هده الدرجة أو تلك ، والتى لا يمكن التنبؤ بها على وجه الدقة والحصر ، ولايمكن التعامل معها إلا كإحتمالات مرجحة . كما يتعلق بالمجتمع ككينونة ديناميكية ، متجاوزة لنفسها بإستمرار ، ومتجاوزة بالتالى لكل الصياغات المسبقة لإتجاهات تطورها ؛ ففى كل منعطف جديد من منعطفات تطوره يطرح المجتمع معطيات جديدة لم تكن فى الحسبان، تقتضى تعديلات جديدة نظرية وعملية . ومن هنا ضرورة إنفتاح النظريات الإجتماعية ، وضرورة إنتباهها اليقظ للمتغيرات ، وإستعدادها الدائم لإعادة النظر فى إستنتاجاتها السابقة لتستوعب الظواهر الجديدة وتستبين الإحتياجات الإنسانية الجديدة، والإمكانيات الجديدة لتحقيقها ، والقوى القادرة على تحقيقها ، والتشكيلات التنظيمية الملائمة لدلك. بدلك تستطيع النظرية الإجتماعية أن تلعب دورها فى توجيه الفعالية الإنسانية عند ذلك المنحنى المحدد للتطور الإنسانى .

ولكننا في نفس الوقت نعتتقد أن النظر إلى العلوم الاجتماعية كفعالية محايدة ، خالية من أحكام القيمة ، وغير معنية بنتائج الصراع الاجتماعي ، ولا بالمصائر العملية للبشر، ليس سوى وهم خالص .

إننا منحازون إجتماعيا للفقراء والكادحين والمستغلين والمقهورين ، ولغيرهم من المنتجين بأذهانهم و أيديهم . نبذل كل طاقة  فى سبيل تبصيرهم بحقوقهم و تنبيههم  الى القوى الكامنة فيهم و تنظيمهم لإمتلاك مصيرهم وهزيمة أعدائهم و بناء المجتمع الغنى القائم على الوفرة ، المتقدم ، المعتمد على العلم والتقنية ، العادل الذى يتمتع فيه المنتجون بخيرات إنتاجهم . ونحن إذ نتحدث عن الفقراء والكادحين والمستغلين والمقهورين ، وعن المنتجين بأذهانهم وأيديهم ، إنما نتحدث فى نفس الوقت عن أنفسنا. فلسنا فئة متميزة تناضل بالنيابة عن الناس ، بل إن مشروعنا كله لا تقوم له قائمة إذا لم يصبح ، فى نفس الوقت ، مشروعهم .

إننا لانتحدث عن إنسان مجرد ، ولاعن مجتمع إنسانى مجرد ، بل عن مجتمع محدد، هو المجتمع السودانى ، الماثل مكاناً وزماناً ، وعن الفقراء والكادحين والمستغلين والمقهورين والمنتجين داخله . ونرى أن مداخل الظلم الإجتماعى بالنسبة إلى هذه الفئات هى ، أساساً، التالية:
·       سياسية: تتعلق بالإفتقار إلى السلطة والقوة ، الكفيلة بتحقيق السيطرة على المصير.
·       تاريخية: تتعلق بالتخلف وبدائية وسائل الإنتاج ، وإنخفاض الإنتاجية ؛ وإنتشار الفقر والجهل والمرض.
·       ثقافية عرقية: تتعلق بالتهميش السياسي والاقتصادي والإضطهاد المستند على الإستعلاء العرقى والثقافي.
·       جندرية: تتعلق بإضطهاد النساء لكونهن نساء.
·       طبقية: تتعلق بإستغلال الطبقات الكادحة.
·       أيديولوجية: تتعلق بشبكة المفاهيم والإعتقادات التى تغيَب الإنسان وترهن إرادته وتؤبد عجزه وتبنى عليه.

إننا لانعتقد بأن هناك وصفة سحرية تجعلنا نزيل هده المظالم بضربة واحدة ، ولانعتقد بأن هناك عقدة سرية نحلها فيؤدى دلك تلقائياً إلى إزالة كل المظالم . إننا فى نفس الوقت الدى نواجهها مجتمعة , نواجه كل واحدة منها على أرضيتها الخاصة ، ونضع تصورات تتعمق بإستمرار من خلال النضال والتقدم الإنسانى . لقد طرحنا سابقاً تصوراتنا لرفع المظالم السياسية من خلال النظام الديمقراطى . ونحدد فيما يلى مفاهيمنا حول الجوانب الأخرى:

إن العدو الأول لشعبنا هو التخلف ، والذى لن ننتصر عليه إلا بتعبئة طاقات الشعب ككل وذلك: 
·       بإكتشاف الثروات القومية وإستغلالها إستغلالاً عادلاً.
·       بتثوير وسائل الإنتاج بالإستفادة من مكتسبات العلم والتقنية ، وإبتداع التقنيات الملائمة لتطور منتجينا ، ورفع الإنتاجية وبث قيم العمل والإنتاج.
·       بترقية المهارات الإنسانية بالتعليم والتدريب والتحفيز.
·       بتوفير مقومات الحياة الإنسانية العصرية ، وبتوفير الخدمات الأساسية، ومحاربة الجوع والمرض والجهل.
·       بالتخطيط الذى يحدد الأوليات الوطنية ويرسم الأهداف الإجتماعية ، ويعمل على تحقيقها بأكثر الصور عقلانية ورشداً.
·       بالإهتمام بقضايا البيئة وعلى رأسها ظاهرتا الجفاف والتصحر التى تهدد المجتمعات الريفية ، وتقلص الرقعة الزراعية والرعوية ، وتؤدى إلى تدهور عام فى الوضع البيئى . وتفادى الأخطاء الفادحة التى كشفت عنها تجارب بعض البلدان التى أنشأت نهضتها الصناعية دون الإلتفات إلى التدمير البيئى الذى صاحب تلك النهضة ، والمحافظة على الثروة الحيوانية الهائلة التى يملكها السودان وتنميتها .
·       بالعلاقات الدولية التى توفر التمويل ، وتنقل المعرفة والعلم والتقنية ، وتحقق التكامل الإقتصادى ، وتواجه إختلالات توزيع الموارد وندرتها.
·       ويُحَارَب التخلف كذلك بإنجاز ثورة ثقافية شاملة ، تنقل البلاد الى مستوى العصر ، في نفس الوقت الدى تحافظ فيه على شخصيتها المتميزة.
·       كما يُحَاَرب بمحو الأمية الشامل لجميع السودانيين فى فترة زمنية محددة ، بجهد تشترك فيه المؤسسات الشعبية والرسمية ، والإقليمية والدولية ، وتحشد له كل الإمكانات المالية والعلمية والكوادر المؤهلة.
·       وكذلك بمناهضة كل أشكال الدجل والشعودة والخرافة ، وترسيخ ونشر الأسلوب العلمى فى التعامل مع الأشياء والظواهر ، والإنتصار للقيم التى تنطلق من كرامة الإنسان وعلو شأنه ، ومساواته رجالاً ونساء وتدعو إلى الإخاء بين الشعوب.

وتُرْفَع المظالم قومياً وإقليمياً ، بالتوزيع العادل للثروات الوطنية بحيث تنال كل قومية، وكل إقليم ، نصيبهم من الخدمات الأساسية ، والمشاريع الإجتماعية والإقتصادية ، وأن تُعْطَى الأقاليم الأقل نمواً أولوية واضحة في خطة التنمية القومية ، بغرض تسريع تطورها ، وتمكينها من اللحاق بالأقاليم التى فاتتها . وأن يكون لهذه الأقاليم نصيب أكبر من الثروات المكتشفة داخل أراضيها ، تستثمره فى تنفيد برامجها المحلية.

وتُرْفَع المظالم النوعية بوضع قضايا تحرر المرأة فى صدارة عملية التحول الإجتماعى وفى قلبها ، وإستبانة أن تحرر المجتمع ، إذا لم يعن تحرر المرأة ، فإنه لن يكون سوى تناقص وزيف . إن الخطوة الحاسمة للسير فى طريق تحرر المرأة هى تأكيد أن إختلافها عن الرجل لايعنى دونيتها . وهدا يقتضى مواجهة فكرية وثقافية لكل النظريات التى تنطلق من الإختلاف لتتوصل إلى الدونية ، وهى مواجهة معقدة تخاض على مستويات متعددة ، وتصدم بعقبات عديدة ، ولكنها فى جميع الأحوال لاسبيل إلى تفاديها .

إن تحرر المرأة سياسى أولاً، يتعلق بنيلها حقوقها السياسية كاملة ، وإستعادتها لكل الحقوق التى تم التراجع عنها ، وإشتراكها فى كل المؤسسات السياسية من أحزاب ومنظمات ، ومؤسسات تشريعية وتنفيدية وقضائية ، ونقابات ومجالس وإتحادات، إشتراكاً فعالاً يتطور بإستمرار ليتوافق مع وزنها الإجتماعى . وفى ضوء الأوضاع الحالية المتمثلة فى إبتعاد جماهير النساء عن الفعالية السياسية ، وعن مؤسسات إتخاذ القرار السياسى ، فإن من المهم جذبهن إلى العمل العام ، بالتنوير السياسى وخلق الأشكال التنظيمية الملائمة ، من منظمات واسعة الصلاحيات تتعلق بهن ، ومن مجالس نسائية محلية وقومية تحدد برامجهن ومطالبهن .

تحقيق المساواة والعدالة فى المجالات التالية:
·       المساواة أمام القانون.
·       المساواة فى فرص التعليم ، الصحة ، العمل ، الأجر المتساوى للعمـل المتسـاوى ، الترقى ، المعاش ، السكن.
·       معاملة الإنتاج البشرى كأسمى إنتاج إجتماعى ، ومكافأته على هذا الأساس.
·       رفع أعباء العمل المنزلى ، بترقية الأدوات المنزلية ، وبالمشاركة الأسرية.
·       سن قانون مدنى للأحوال الشخصية يكون التقاضى أمامه خياراً مفتوحاً للجميع .
·       الحماية ضد العنف والعدوان والتشويه الجسدى ، والمتمثل فى الختان، والضرب والإغتصاب ،
·       مواجهة قضايا الأمومة والطفولة من خدمات صحية موجهة للنساء ، وإجازات الوضع المدفوعة الأجر ، ورياض الأطفال وإعاناتهم.

وفى طرحنا لقضايا العدالة الإجتماعية الخاصة بالنساء فإننا لاننطلق من الصفر بل نستند إلى الإنجازات الحقيقية العظيمة ، السياسية والإجتماعية ، التى أنجزتها جماهير النساء من خلال تنظيماتهن العريقة المشهود لها بالجسارة والصمود . ولكننا لانتعامل مع هذه القضايا بإعتبارها تخص قطاعاً إجتماعياً بعينه ، بل بإعتبارها قضايا وطنية تخص المجتمع ككل ، بنسائه ورجاله ، ويعتبر حلها شرطاً لكل تقدم إجتماعى .

وتُرْفَع المظالم الإجتماعية طبقياً بتمكين العاملين بأيديهم وأذهانهم من قطف ثمار إنتاجهم كاملة ، بضمان التوزيع والتبادل العادلين ، فى كل القطاعات الإقتصادية ، عاماً وخاصاً وتعاونياً ، وفى كل مجالات الإنتاج صناعة وزراعة وخدمات ، ومحاربة المستغلين والطفيليين ودحر قُوَّتِهِم الإقتصادية والسياسية .

إن الإنتاج بالنسبة لنا مادى ، يختص بإنتاج القيم المادية ، وفكرى يشمل الإكتشافات العلمية والإختراعات التقنية ، وصياغة النظريات الإجتماعية ، وإنتاج القيم الثقافية، والعملية الإنتاجية تشمل كل العوامل الضرورية لتحقيقها ، والمنتجون هم كل المساهمين فى هده العملية بمختلف مراحلها مع تفاوت نصيبهم من المشاركة .

إن بروز الدور الحاسم للإنتاج الفكرى فى تطور المجتمعات المعاصرة ، سواء كان هذا الإنتاج نظريات إجتماعية ، أو إكتشافات علمية وإختراعات تقنية ، أو معلومات حول كل الوقائع والأحداث والظواهر ، أو إدارة لشئون المجتمع ومؤسساته على كل المستويات ، أو وقيماً ثقافية وفلسفية تجعل الإنسان كائناً متأملا ً، عالماً بذاته ، وتجلب له السعادة ، أو غير ذلك قد جعل من الميسور تخطى المفهوم القديم ، الضيق ، للإنتاج بإعتباره إنتاجاً للقيم المادية فحسب ، وأن المشتغلين بإنتاج الأفكار طفيليون يعيشون من فائض إنتاج غيرهم . فقد وضح بالفعل أن فيض القيمة الفكرية والمعنوية ليس أقل أهمية ولانفعاً على المجتمع من فيض القيمة اليدوية ، إن لم يكن أكبر أهمية ونفعاً بما لايقاس ، وخاصة في المجتمعات المتقدمة . وقد ساعد فى وضوح هده الحقيقة التقدم الهائل للعلوم التطبيقية بإعتبارها التجسيد الماثل للجوانب النظرية والمادية فى الإنتاج؛ وساعد فيه كدلك إتساع المشاريع الإنتاجية النظرية الصرفة مثل معاهد البحوث وتعاظم القيمة التسويقية لإنتاجها ، كما ساعد فيه تدنى إنتاجية العمل اليدوى بالقياس إلى العمل الذهنى ، وإنسحابه عن كثير من مجالاته السابقة التى إحتلتها الآلات .

إننا نعتقد أن هذا المفهوم ، المنسجم مع واقعنا المعاصر، كفيل بإزالة التناقضات المتوهمة بين العمل الذهنى واليدوى ، وكفيل بإقامة أخوة حقيقية بين المنتجين ، قائمة على الإعتراف المتبادل بالإنتماء إلى حقل واحد ، مع إختلاف الأدوار والأنصبة . إن قانون تطوُر مجتمعنا المتخلف هو على وجه التحديد ردم الهوة بين العمل اليدوى والذهنى لصالح الأخير.

قضايا الملكية وعلاقات الإنتاج:

ملكية الدولة
لقد تعلمت البشرية، بالتجربة المريرة القاسية، بالإهدار الهائل للثروات والطاقات والزمن، بل بتدمير الحياة وإزهاق الأرواح، أن ملكية الدولة لكل وسائل الإنتاج وتصرفها فى كل ثروات المجتمع، وتحكمها فى مصائر المنتجين، قد  إنسدَ تماماً كباب للعدالة الإجتماعية. بل أصبح، على العكس من ذلك تماماً، مصدراً للمظالم الإجتماعية الفادحة، المتمثلة فى خلق بيروقراطية جبارة، شرهة وقاسية، تجرد المنتجين من فوائض إنتاجهم، وتسلبهم كل مقومات السيطرة على مصائرهم، وتخترق مؤسسات المجتمع المدنى التى يكون التأميم الشامل قد جردها من كل وسائل الحماية الذاتية. إن الإفتراض القائل بأن ملكية الدولة لكل وسائل الإنتاج هى خطوة فى إتجاه خلق الملكية الإجتماعية العامة إفتراض خاطئ تماماً. وهو شعار روَج له وجعله مقبولاً لبعض الوقت مكر ودهاء بعض المتعطشين للسلطة والحكم، وسماحة وجهل بعض الباحثين عن العدالة الإجتماعية.

ومع ذلك فإن ملكية الدولة الديمقراطية، الخاضعة لسيادة الشعب ورقابته المباشرة والتمثيلية، لبعض وسائل الإنتاج الهامة، ونشاطها فى بعض القطاعات الأساسية، وتدخلها فى النشاط الإقتصادى لتحقيق أهداف إجتماعية محددة، أصبحت أمراً ضرورياً لإشاعة العدالة الإجتماعية. إن المهام التى يضطلع بها قطاع الدولة، المدار ديمقراطياً، هى فى نظرنا التالية:
·       التحكم فى الموارد الإستراتيجية وإستغلالها لمصلحة المجتمع ككل.
·       توفيرالخدمات الأساسية من تعليم وصحة وسكن.
·       الأستثمار فى المشاريع ذات المردود الأقتصادى البطئ أو المتدنى، والمردود الأجتماعى والسياسى المرتفع.
·       الأضطلاع بتدريب القوى العاملة.
·       الإشراف على المشاريع التكاملية بين الدول.
·       الإشراف على التجارة الخارجية والقروض والمعونات.
·       تحديد السياسات التمويلية والمالية والتحكم فيها من خلال البنك المركزى.

الملكية الخاصة لوسائل الإنتاج:
إننا نرفض الملكية الرأسمالية الخاصة لكل وسائل الإنتاج بمثلما رفضنا ملكية الدولة لكل وسائل الإنتاج. إن الرأسمالية المنفلتة، القائمة على مبدأ "ليفعل من يشاء مايشاء" تؤدى بالضرورة إلى سحق المنتجين وتفاقم الأستغلال، وزيادة إختلالات توزيع الثروة بحيث يصير الأغنياء أكثر غنى، والفقراء أكثر فقراً.

ومع ذلك فإننا نشجع الرأسمالية المنتجة، أى التى توفر شروطاً ضرورية للإنتاج، ونرى أنها تلعب دوراً هاماً فى تطور بلادنا، بتشييدها للمشاريع  الإنتاجية، وإعادتها لإستثمار الفوائد والأرباح، وبمساهمتها فى نشر فرص العمالة، وحفزها للنشاط الإقتصادى، ومقدرتها على توصيل السلع المنتجة إلى كل أنحاء البلاد.
ولكننا نلجأ إلى لجم إتجاهاتها الإستغلالية والطفيلية بالإجراءات التالية:
·       فرض شروط وطنية للعمالة ملزمة لكل القطاعات بما فى ذلك القطاع الخاص.
·       ترقية آليات التفاوض الجماعى لتحقيق علاقات أنتاجية أكثر عدلاً بإضطراد.
·       فرض الضرائب التصاعدية للصرف على مشاريع الضمان الإجتماعى، وتمويل المؤسسات العامة.
·       تشجيع الإمتلاك المباشر من قبل المنتجين لوسائل إنتاجهم ويأتى على رأس هؤلاء الحرفيون، والمهنيون، والباحثون والكتاب والصحفيون والفنانون والمصممون، وغيرهم.
·       تشجيع الملكية التعاونية بكل أشكالها وفى كل حقوق الإنتاج.
·       تشجيع إمتلاك الأسهم، وإنشاء الصناديق الإجتماعية مثل صناديق الضمان الإجتماعى، والمعاشات، والمؤسسات الخيرية.


بين الملكية الخاصة والعامة :
إننا نلاحظ بروز قطاع تتطابق فيه الملكية الخاصة والعامة هو قطاع الحقوق والخدمات الأساسية كالتعليم، الصحة، السكن، إّذ أن كل شخص فى المجتمع يملك هذه الحقوق ملكية خاصة، بينما تجعلها عموميتها ملكية عامة، كما أن ممارستها بواسطة الأفراد تعنى تصرفهم جميعاً فى الفوائض القومية المخصصة لها. إن نشر العدالة الإجتماعية يقتضى توسيع هدا القطاع بإستمرارليشمل مزيداً من الحقوق ومزيداً من الناس.

إننا نسعى فى نفس الوقت إلى تعميم الملكية الخاصة الإستهلاكية، بدءاً بالطعام الجيد الوفير، والمنزل، وأدوات الإتصال والثقافة من راديو وتلفزيون وتليفون، وكتاب، ووصولاً إلى السيارات ووسائل ممارسة الهوايات. كما نشجع حيازة الوسائل الإستهلاكية، الجامعة بين الإنتاج والإستهلاك، مثل الكمبيوتر.
       
الثقافة والإبداع:-

إن الاعتراف بالتعدد والتنوع الثقافي في السودان لايكفي، فتلك حقيقة لا يلغيها عدم الاعتراف بها، وإنما يجب أن يتجسد في أشكال وسياسات وممارسات ومؤسسات تعطي كل الثقافات السودانية الفرص المتساوية والمتكافئة للتعبير عن نفسها والإفصاح عن مكنونها، وذلك بحفظ وتنمية الثقافات المحلية وكتابة وتدوين اللغات الخاصة بالجماعات المختلفة، ودفع وتشجيع عمليات التفاعل الثقافى لرسم اللوحة الوطنية الثرية عبر التلاقح والحوار في مناخ من الحرية واحترام الآخر، دون فرض شروط مسبقة أو أحكام نهائية، كما يجب أن ينعكس ذلك في الإصلاح التعليمي وفي مناهجه وفي أجهزة الإعلام وبرامجها.

ومن أولويات الثورة الثقافية، محاربة ثقافة الاستعلاء والإقصاء والكراهية والتدمير والحرب والموت وترسيخ ثقافة التسامح وقبول الآخر والمساواة والمشاركة والسلام وإعلاء قيم الحياة والاستنارة والمساهمة في الإنجاز البشري المضطرد والمتعاظم. كما يندرج ضمنها إشاعة وتوفير أجواء الحرية، والتشجيع المادى، والحفاوة المعنوية، بالإبداع الفنى والأدبى، فى كل الثقافات السودانية، ونشر الأعمال الإبداعية محلياً وإقليمياً وعالمياً، وجعل الإنجازات الثقافية للأمم الأخرى فى متناول المواطن السودانى، سواء بالترجمة أو التقديم المباشر.     

إننا نؤمن أن بأن النهضة الثقافية هي بعد جوهري في النهضة الوطنية الشاملة، ونعمل على توفير الشرط الأساسي لكل إبداع أدبي، أو فني أو علمي، وهو شرط الحرية. والحركة إذ تحتفي بالمبدعين من شعراء وفنانين وكتاب وموسيقيين ورسامين وغيرهم، فإنها تبقى بلا نظرية رسمية في أي من هذه المجالات، وبلا ناطق رسمي في اي منها. إن دور الحركة هو السعي بجد لتوفير كل الشروط المادية والاقتصادية والتشريعية التي تقوم عليها النهضة الثقافية، أما محتواها وفي إطار سعيه لنشر الجمال والفرح، فيحدده المبدعون وجمهورهم ونقادهم.

وحدة قوى الحداثة والنهضة:-

إننا ندعو ونسعى إلى توحيد قوى الحداثة والنهضة فى بلادنا، القوى الجديدة وقوى السودان الجديد. ماهي هذه القوى الجديدة؟ هل لها قاعدة اجتماعية ذات وزن؟ وعلى أي أساس ندعي نحن تمثيلها؟ أسئلة مطروحة علينا من مواقع الرفقة والحدب كما تطرح علينا من مواقع العداء والتخذيل، من مواقع الاستفهام ومن مواقع الاستنكار، ولكننا مطالبون بالإجابة عليها.

قوى الحداثة والنهضة تتمثل فى المنتجين بأذهانهم وأيديهم، من مثقفين ومهنيين، ومن عمال ومزارعين، ومن رأسمالية منتجة، وفى القوميات المهمشة والمسحوقة، وفى جماهير النساء الرازحات تحت القهر، وفى الشباب والطلاب التواقين إلى توظيف طاقاتهم الخلاقة وتحقيق كل ممكناتهم الشخصية. إنها المقابل السياسى والإجتماعى للنخب السياسية والاجتماعية والاقتصادية ، من رأسمالية طفيلية، وزعامات طائفية وقادة عسكريين ومن مثقفين ومتعلمين وبيروقراطيين مرتبطين بهم وغيرهم من المستأثرين بالنصيب الأوفى من خيرات الشعب، والبانين سيطرتهم على تجهيل الشعب وتغييبه ، والتي شكلت وسيطرت على السودان القديم، ببنياته السياسية الدكتاتورية، بعلاقاته الطائفية المغلقة، بتخلفه الإقتصادى وبمظالمه الإجتماعية . إن حراس البنية الإجتماعية الحالية للسودان، وعلاقات السيطرة القائمة فيه هم قوى التخلف حتى ولو ضموا بين صفوفهم العلماء الأفذاذ الحائزين على الألقاب الأستاذية.

قوى الحداثة والنهضة توجد فى القطاع الحديث، حيث العلم والإستنارة، حيث الأساليب المتقدمة فى الإنتاج، وحيث الإنتاجية الأعلى نسبياً، وحيث أساليب الحياة الحديثة، والمؤسسات العصرية والإتصال بالعالم والتعامل مع ظواهر التجديد وتيارات التغيير العاصفة. وتمتد أيضا على أرض السودان طولاً وعرضاً، وتنهض للتعبير عن نفسها من خلال الحركات القومية والإقليمية المناضلة من أجل سودان جديد، وعلاقات ديمقراطية بين المركز والأطراف، وقسمة عادلة للسلطة والثروة، ومشروع وطنى للنهضة الشاملة.

أن يزعم حزب ما، أوحركة ما، بأنه يمثل طبقة معينة من الطبقات الاجتماعية، أو قطاعاً معيناً من الشعب، أو قومية محددة من القوميات، دون تفويض صريح معبر معبر عنه ديمقراطيا من قبل تلك الطبقة أو ذلك القطاع أو تلك القومية، ما هو إلا شكل من أشكال الوصاية المتغطرسة وادعاء ساذج بأن هناك عصاة سحرية لتحديد الأصول الطبقية والاجتماعية للأفكار والبرامج بمجرد النظر فيها، وتزييف فطير لإرادة الآخرين وتقييد للخيارات الشعبية، وتصور شمولي تخطاه التاريخ وأثبت خطله.

إننا نطرح برنامجا للنهضة الوطنية الشاملة، لنا من الأسباب ما يجعلنا نعتقد أن أغلبية جماهير الشعب السوداني لها مصالح محددة في تنفيذه، ولكننا لا نتوقف عند هذا الحد، بل نسعى عمليا وعلى مختلف الصعد لإقناع هذه الأغلبية بصحة رؤيتنا وضرورة وقوفهم معها وتبنيها، لأن العبرة ليست في اقتناعنا نحن بسلامة برنامجنا وصحة طرحنا وإنما في نجاحنا في استمالة الغالبية له وانحيازها ديمقراطيا إليه.

بأى معنى نسعى نحن لتوحيد هده القوى؟ وبأى صيغة؟ هل نتوقع أن تنضم الينا بصورة جماعية وتنسحب من كل الأحزاب الأخرى القائمة؟ هل نتصور أن تتحول كلها إلى النشاط السياسى الصريح؟

إننا نسعى لتوحيد هذه القوى لأننا نعلم أن ممثلين لها قد طرحوا بالفعل برامج للنهضة الوطنية، وأنهم قد ساروا بالفعل فى إتجاه إنشاء التنظيمات السياسية التى تناضل من أجل تحقيقها. ولكن هذه البرامج وتلك التنظيمات تتسم حتى الآن بالتشرذم السياسى والتنظيمى، وتغيب بالتالى إرادتها الوطنية ووجودها الوطنى، ولاتستطيع أن تلقى بثقلها الكامل على السياسة والأحداث فى السودان. إن ما نرمى إليه هو أن نعمل مع كل أطرافها، للوصول إلى المشروع الموحد لها جميعاً، والتنظيم المعبر عن إرادتها السياسية.

لقد فشلت الأحزاب التقليدية القائمة فى أن تكون أدوات ملائمة للإستجابة لتطلعات هذه القوى، فانفضَّت أقسام مؤثرة من حول هده الأحزاب، وبقيت داخلها أقسام أخرى ماتزال تأمل فى إصلاحها من الداخل. ونحن لانستبعد إمكانية أن تكون هذه الأحزاب من الذكاء بحيث تغير ما بها وتستوعب بعض تطلعات هذه القوى وتحتفظ بالتالى بتأييدها، وسيكون هذا إيجابياً بالطبع. ولكن الشئ الغالب هو أن هذه الأحزاب ستبقى قاصرة دوماً بحكم مصالح قياداتها وعلاقات القوة والسيطرة داخلها، عن التعبير الكامل عن مصالح هذه الجماهير، والمتمثلة فى مشروع وطنى للنهضة الشاملة. ولذلك فثمة إمكانية واقعية تماماً هى أنه فى حالة بروز مثل هذا المشروع وذلك التنظيم من بين صفوفها فستنحاز إليه. ولكن هذه الأمكانية لاتتحقق إلا بالتعبير الصريح، والمسلك العلمى، من قبل هذه الجماهير إزاء ذلك التنظيم. وهذا هو جوهر الديمقراطية.

وسيكون هذا التنظيم تنظيماً لقوى الحداثة والنهضة بمعنى محدد هو أن برنامجه السياسى يعبر عن مصالحها، ليس بصورة مسبقة ومعطاة، وتتسم العلاقات داخله بالديمقراطية، أي أنها ليست علاقات طائفية ولاعنصرية ولاعشائرية، ليست إشارة صادرة عن زعامة روحية، ولا أوامر نازلة من قيادة مركزية كلية الجبروت، بل هى علاقات ديمقراطية قائمة على حكم المؤسسات المحددة الصلاحيات، وعلى حرية النقاش والإقناع والإقتناع، كما أن وسائل الآداء داخله حديثة، قائمة على العلم والبحث والمعرفة. وهذا يعنى أن هذه القوى عندما تقرر بمحض إختيارها أن تدخله ستجد نفسها داخله.

إن توحيد قوى الحداثة والنهضة أمر صعب ومعقد، فى ظروف بلادنا الحالية، حيث ما زالت الديكتاتورية الفاشية جاثمة على الصدور، مما يلقى صعوبات هائلة على العمل السياسى داخل البلاد، وحيث تشتت ممثلو هده القوى فى كثير من المهاجر فى كل البلدان والقارات، وماتولده الغربة عن الوطن من سلبيات وأمراض، وحيث إنعدام الثقة المترتب عن خيبات تاريخية، وغير ذلك.

ولكن الإنطلاق من معاناة شعبنا ومآسيه ، ومن مقتضيات النضال ضد الفاشية الحاكمة، وضرورة الانتصار عليها ، والجهد المثابر، وإتساع الرؤى والصدور، ومقاومة إتجاهات التشرذم الماحقة، كفيل بأن يوحد هذه القوى، لتولد قوة جديدة قادرة وعملاقة، تقود الشعب إلى المستقبل.

المبـادئ التنظيميـة العامة:

يقوم تنظيم حركة القوى الجديدة الديمقراطية (حق) وتنشأ العلاقات بين هيئاته وأفراده على وتستند لوائحه الداخلية إلى وتسود حياته الداخلية القيم الآتية:

 1.    الوحدة :
        للحركة بنية تنظيمية موحدة تشمل عضويتها كافة داخل السودان وخارجه يمثلها المؤتمر العام، السلطة العليا في الحركة، والذي  ينتخب  قيادة الحركة بمسؤوليات وصلاحيات تنطبق علي الحركة ككل رأسيا وأفقيا داخل وخارج السودان وفي كل المجالات.

2.     مرونة التنظيم :     
التنظيم ليس قفصاً حديدياً يسجن داخله الأعضاء، ويصاغون وفق متطلباته الصارمة وليس بقرة مقدسة ولا عجلاً معبودا، بل هو شكل لفعاليتهم، يستوعب ويطوّر هذه الفعالية، ويوضع موضع السؤال في كل منعطف للاستيثاق من أدائه لهذه المهمة على خير الوجوه. ولذلك فهو شكل متطور، ومرن، وقابل للتعديل وفق تطور الفعاليات المختلفة، في عالم يشهد تطوراً عاصفاً في هذا المجال. ومن نافلة القول والحالة هذه أن الأشكال التي تصلح لحركة ناشئة ربما تصبح اكثر ضيقا واقل كفاءة بالنسبة لحركة ناضجة، ويتوجب بالتالي تغييرها. إن واجب قيادة الحركة و النظر دائما في هذا الأمر و بهذا الفهم، والتوصية للمؤتمر العام بإدخال ما تراه ضروريا من التغييرات، التي تصير ملزمة بمجرد أجازتها.

3.     الديمقراطية:
تلتزم الحركة بإشاعة الديمقراطية في خلايا التنظيم كافة وكفالة حقوق أعضائها في التعبير عن، وتبادل ونشر آرائهم والسعي لإقناع الآخرين بها وفق القواعد والأشكال والقنوات التنظيمية المقرة .
تتخذ القرارات في كافة هيئات الحركة بالأغلبية. لكن جوهر الممارسة الديمقراطية في الحركة لا يكمن فقط في سيادة رأي الأغلبية وإنما أيضا، وهو الأهم، في قبول الأقلية بهزيمة آرائها والتزامها بما تتمخض عنه العملية الديمقراطية واحتكامها لهذه العملية لتعديل الوضع و تحقيق الغلبة. في إطار الديمقراطية ووفقاً لقواعدها الانضباطيه الخاصة تلتزم الهيئات الأدنى بقرارات الهيئات الأعلى وتلتزم الأقلية برأي الأغلبية عبر الحوار والنقاش الحر وتبادل الآراء وليس عبر القسر والإكراه. 

4.     الفعاليــة:
التزام الحركة بإتاحة أوسع مساحات الحرية والديمقراطية داخلها، لا يلغي أو يتعارض مع فعالية التنظيم ومبادرة قيادته ووحدة إرادته وفعله والتزام الأعضاء بواجباتهم المنصوص عليها والتكليفات التي توكل إليهم من قبل الهيئات القيادية. بهذا الفهم ترفض الحركة وتحارب كل مظاهر التسيب والانفلات  وتجاوز الأطر التنظيمية المقرة. وبينما يضع النظام الأساسي الإجراءات التي تكفل تنفيذ قرارات الأغلبية وتحفظ للقيادة حق المبادرة في إطار خط الحركة العام، فإنه ينص على ألا تضار الأقلية بأي حال من الأحوال نتيجة لآرائها تلك، وأن تظل الفرص أمامها مفتوحة للتعبير عن هذه الآراء في المنابر المتاحة والمؤتمرات القادمة، مع التزامها برأي الأغلبية واشتراكها في تنفيذه. ويمكن في هذا الإطار لأولئك الأعضاء الذين يجدون تنفيذ بعض القرارات معارضاً لضمائرهم أن يعرضوا ذلك على الهيئة المعنية للنظر في إعفائهم من تنفيذ تلك القرارات.

5.     المؤسسية:
حرص الحركة على تطوير العلاقات الإنسانية بين أعضائها وعلى اللقاءات المباشرة بين الأعضاء من قمة الهرم القيادي إلى كافة المستويات القاعدية، وحرصها على روح المبادرة، يجب أن يستخدم لتعزيز وترسيخ وتطوير المؤسسية داخل التنظيم. تتخذ القرارات داخل الحركة من خلال هيئاتها المعتمدة ذات الصلاحية ووفق الصلاحيات والنظم واللوائح المقرة، ولا يسمح بأي تجاوز لهذه الهيئات أو تغول على صلاحياتها. ينعكس احترام قيادات وقواعد الحركة للتنظيم في احترامهم لمؤسسات الحركة وفي استعدادهم والتزامهم الدائم بالعمل من خلالها. 

6.     التعددية الفكرية:
 ترفض الحركة وتحارب كل مظهر من مظاهر الشمولية أو الهيمنة الأيديولوجية أو احتكار الحقيقة أو المركزية الخانقة التي تشل المبادرة وتؤدي إلى الطغيان القيادي. و في هذا الإطار فإن الحركة ليست حركة أيديولوجية أو مذهبية أو عقائدية بأي شكل من الأشكال، بل هي حركة سياسية ديمقراطية يوحدها برنامج سياسي ديمقراطي قابل للتعديل والإٌضافة ضمن مبادئه العامة، مفتوح على المستقبل، تتحاور داخلها الأفكار وتتلاقح الرؤى،  وأعضاؤها أحرار في الانتماء لأي مذهب أو عقيدة أو فكر طالما لم يكن في ذلك أو المذهب أو الفكر أو العقيدة ما يتعارض مع المبادئ العامة لبرنامج الحركة والمبادئ التنظيمية الواردة في النظام الأساسي.   

7.     حقوق الإنسان:
التزام الحركة بالمواثيق والعهود الدولية لحقوق الإنسان، وتعهدها بالدفاع عن هذه الحقوق وصيانتها على مستوى المجتمع والوطن وعلى المستوى الإنساني، جزء لا يتجزأ من نظامها الأساسي. ويجب أن ينعكس ذلك في التزامها بإشاعة هذه الحقوق واحترامها وترسيخها على مستوى التنظيم وبين أعضائها كافة.

8.     المسـاواة:
تحارب الحركة بوعي و دون هوادة أي مظهر من مظاهر التمييز أو العنصرية، أو مخلفات ثقافة الرق والعبودية، أو دونية المرأة أو الهيمنة الثقافية أو الدينية، وتلتزم بصرامة بالمساواة التامة. وعدم التمييز بين أعضائها، أو في علاقاتها بالمجتمع والآخرين، على أي من أسس العرق أو اللون أو النوع أو الدين أو الثقافة أو اللغة أو المنبت أو الموقع الاجتماعي. وتعتبر الحركة أي اتجاه للتمييز أو الاضطهاد على أي من تلك الأسس، تصريحاً أو تلميحا،ً قولاً أو فعلاً، سواء كان بين أعضائها أو من أي من أعضائها تجاه الآخرين، انتهاكاً صارخاً لمبادئ الحركة وللنظام الأساسي يستدعي المحاسبة الفورية وتطبيق أقصى العقوبات بما في ذلك الفصل من الحركة.

9.     التجديد القيادي:
ترفض الحركة وتحارب تحديدا الأنماط القيادية أو أي شكل من أشكال تأليه القيادة. وبهذا الفهم تسعى لترسيخ المنهج العلمي وتطوير العقل النقدي وسيادة الشفافية وأسس المسؤولية والمحاسبة بين أعضائها وفي هيئاتها المختلفة. وتمارس مبدأ التجديد القيادي من خلال الحرص والعمل على تدريب وتثقيف وتطوير وصقل مهارات وقدرات الأعضاء باستمرار، وانتخاب العناصر الأكثر تأهيلاً وأعلى كفاءة وتصعيدها للمواقع القيادية الأعلى، بحيث يتميز نشاط الحركة على الدوام بوفرة وتعدد الوجوه القيـادية. وإذ تسعى الحركة لتجديد كادرها القيادي باستمرار، فإنها تعني أيضا بالحفاظ على خبرات قيادييها المتقاعدين واستثمارها في المجالات الفكرية والاستشارية والتدريبية، كما تعني وتهتم وتضع القواعد اللازمة لتوفير أسباب الحياة الكريمة لهم ولأسرهم عند تقاعدهم .

10.   كرامة الأعضـاء:
العضو في الحركة هدفً وغاية في حد ذاته، وليس وسيلة أو أداة لتحقيق وتنفيذ أهداف التنظيم فحسب، وعلى هذا الأساس فالعضو مالك وسيد للتنظيم وليس العكس. وتسعى الحركة دائماً أن تكون هي الإطار المناسب لترقية وتطوير قدرات الأعضاء ومهاراتهم وتوفير الفرص والإمكانات الضرورية لهم للنمو والتفتح وإبراز مواهبهم واكتساب المعارف الجديدة.

11.   احترام معتقدات الشعب وقيمه الإيجابية:
        يلتزم أعضاء الحركة باحترام أديان ومعتقدات الشعب السوداني،  وبتمثل القيم الخيرة والفاضلة في سلوكهم الشخصي وفي تعاملهم مع الآخرين. وإذ تشدد الحركة على احترام تقاليد الشعب، فإنها تميز بين التقاليد الإيجابية والعادات والخصال السمحة الواجب اتباعها والاهتداء بها، وبين التقاليد والعادات السيئة البالية والتي ينبغي البعد عنها ومحاربتها. وفي هذا الإطار يلتزم الأعضاء القياديون على وجه خاص بأن يتمثلوا في سلوكهم الشخصي دائما مبادئ و قيم الحركة والاحترام التام لمعتقدات وتقاليد الشعب الإيجابية.

12.   احترام استقلالية تنظيمات المجتمع المدني:
تبني الحركة علاقاتها مع منظمات المجتمع المدني من النقابات والاتحادات المهنية والمنظمات الطوعية على أسس الشفافية والوضوح، وتنأى بنفسها عن وتحارب الاستغلال الحزبي لتلك المنظمات وتعمل على صيانة استقلالها التام في تنفيذ برامجها وتحقيق أهدافها ومصالح المنتمين إليها.

13.   العلم والإدارة الحديثة:
        تتبع الحركة أسس الإدارة العلمية الحديثة في أداء مهامها وتسيير شؤونها، ويشمل ذلك التخطيط العلمي ووضع الأهداف البعيدة والمرحلية وخطط العمل وضوابط ومؤشرات الأداء وأسس المراجعة والتطوير. كما تسعى الحركة باستمرار للاستفادة من منجزات التقنية الحديثة في تحسين وتعزيز كفاءتها.

14.   الحفاظ على سلامة التنظيم:
بقدر ما تولي الحركة من أهمية عظيمة للحفاظ على سلامة عضويتها، فهي تثق بحكمة عضويتها في عنايتهم بسلامة أنفسهم وزملائهم وزميلاتهم في الحركة وسلامة وأمن الحركة عموماً، وفي التعامل المنضبط مع المعلومات والوثائق الخاصة بالحركة وفقاً للمسئوليات التنظيمية أو تفويض محدد من هيئة ذات صلاحية.

15.   حرية الخروج من الحركة:
بقدر ما تسعى الحركة لاجتذاب أفضل أبناء وبنات الشعب للانخراط في صفوفها، وبقدر التزامها بإتاحة أفضل الفرص لهم للتعبير عن ذواتهم وعن فعاليتهم في إطارها، فالحركة ليست سجناً ولا ختماً على خيارات الناس. لذلك ينبغي أن تكون أبواب الخروج عنها واضحة دائما لمن يختارون ذلك. وهي لا ترى في الخروج عنها والاختلاف معها مدعاة للخصومة، بل تسعى دوماً للحفاظ على علاقات طيبة مع من خرجوا عنها، ولا تتصدى إلا لمن يحاول النيل منها وفقط في حدود الدفاع عن وجودها وفعاليتها وسمعتها.

16.   التزامات أخلاقية :
        تلتزم الحركة بتوخي الموضوعية والعدالة والاتزان في نشاطاتها، وأن يعتمد أسلوبها في العمل الإعلامي والدعائي والتعبوي على الصدق، عفة اللسان، واحترام الآخرين، مبتعداً عن الهتر و الإشاعات و اغتيال الشخصية. وتلتزم أن تكون وسائلها منسجمة مع غاياتها، عملاً بقاعدة أن الأهداف النبيلة لا تخدمها ولا تؤدى أليها الوسائل الشريرة. وتعمل الحركة على تربية أعضائها، فرداً فرداً ، على الصدق والموضوعية والاعتدال وعفة اللسان واحترام الآخرين، والتفاني في خدمة المستضعفين والمحرومين والمظلومين. وتنأى الحركة نأياً تاماً عن ارتهان أرادتها لأية جهة أخرى، وطنية أو أجنبية، وتبتعد عن كل نشاط مشبوه، وعن التعامل مع أية جهة مشبوهة.

                                                                                                                                                


ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق